تحدَّث الأجداد والجدَّات عن " ليلة القدر " ككائن حي بصيغة الغائب أو الحاضر المفرد المؤنث وأحيانا المُذَكَّر لا كظرف لزمان خاص فكانوا يقولون " شاف" ليلة القدر لا " شاف " في ليلة القدر أو إذا " شفت " ليلة القدر فقل كذا ولا تقل كذا و" الشوف " الرؤية , وهذا الأمر كان ساريا عند المسيحيين الذين كانوا يسمون ليلة الغطاس أيضا بليلة القدر , وقد تشابكت المرويات الشعبية العجائبية ومنها أن من حضرت عليه أو عنده يرى الدنيا ليلا مضاءة بلا شمس أو قمر , ويرى كل شئ ساجدا على الأرض سجودا حقيقيا بمعنى ملامسة رأسه وجه الأرض , فإن وفقه الله وظل في كمال وعيه كانت الليلة مؤدية فرائض الطاعة كمارد الفانوس السحري ومن ذلك أن بعض أقاربي ينسبون ثروة أحدهم رحمه الله إليها وأنه أدركها وطلب الثروة فكان له ما طلب.

ومن المرويات العجائبية عن تلك الليلة ويسمون لك الأشخاص بأسماء تختلف باختلاف دين الراوي أن فلانا تأخر في العودة إلى بيته وكان يرعى بقرته فربط حبلها الذي يقودها به إلى شجرة تختلف أيضا باختلاف الدين فهي شجرة توت عند المسيحيين ونخلة عند المسلمين فلما استيقظ وجدها مشنوقة بعد قيام الشجرة من سجودها .

وقد قدَّم هذا التراث الشعبي في قصته المشهورة " دايم ..دايم " التي قرأناها صغارا وما زلنا نستمتع بها على أحلى الصور الأديب اللبناني أبو محمد مارون عبود ( الذي أسمى بكره "محمد " ليتكنى به تكريما للنبي صلَّى الله عليه وآله).

والأعجب من مرويات العجائز أن تجد اليوم في القرن الواحد والعشرين من طوَّر هذه المرويات فأخضع تقنيات العصر ليخدع بها المؤمنين الجهلة بحقيقة ما يجب معرفته من أمور دينهم فنجد من يدعونا لتمجيد الخالق عند صور حيوانات ساجدة بالفوتوشوب بل وصل الأمر لجعل صخرة تبدو على هيئة إنسان ساجد.

أيها المؤمنون كل شئ يسجد لله ويسبحه هكذا قال الله تعالى :

وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ - النحل - الآية - 49

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء - الحج - الآية - 18

ولكنه قال أيضا :

تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا - الإسراء - الآية - 44

فأكرموا أنفسكم ولا تهينوا عقولكم وتدبروا في آيات الله وتضرعوا إليه في ليلة القدر كظرف زمان جعله الله لتمجيده وتسبيحه ودعائه .

قال تعالى : "وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ"

الشيخ علي خازم